تبصرة بني الإنسان بفضائح الأمريكان
محمد حسن يوسف
تناولنا في مقال سابق زيف الادعاءات بهزيمة الإسلام، لأن الله تكفل بحفظه. وخلصنا إلى أن من الواجب علينا في هذه المرحلة التي يشمر كل أعداء الإسلام أيديهم للقضاء عليه، يجب علينا أن ندرس جيدا تاريخ هؤلاء الأعداء، وأهمهم الولايات المتحدة باعتبارها أكبر عدو يواجه الإسلام في المرحلة الراهنة. ولكن لماذا نلجأ لمقال مثل هذا؟ بمعنى لماذا نلجأ لمقال نحلل فيه فضائح أعمال عدونا؟!! إن هذا النوع من المقالات في غاية الأهمية، خاصة في وقتنا الراهن، لعدة أسباب:
· مواجهة ادعاءات الأعداء:
فمثلا صرح رئيس الوزراء ( سلفيو بيرلسكوني ) بعد إعلان إحدى جماعات المقاومة العراقية عن إعدام الإيطالي ( إزو بالدوني ) بقوله: " ما من كلام يستطيع وصف هذا العمل اللاإنساني، الذي بضربة واحدة محا قرونا من الحضارة، ليعيدنا إلى عصور الهمجية الغابرة ".[1] وقد تناسى رئيس الوزراء الإيطالي تاريخ بلاده الدموي في ليبيا قبل عشرات السنين فقط وليس القرون، حيث كان الرجال يُقذفون أحياء من الطائرات المحلقة إلى الصحراء، بينما تدهس النساء والأطفال تحت جنازير المدرعات. فأية حضارة تلك التي تقوم على هذه الأعمال؟
· دحر الهزيمة النفسية من داخلنا:
فمن ينظر إلى المكانة التي وصل إليها أعداؤنا، والتي يضيفون عليها الهالات الرهيبة من الادعاءات والأكاذيب بكونهم وصلوا إليها عن علم لا يمكن أن يصل إليه المتخلفون أمثالنا، يشعر بإحباط شديد ويشعر أنه لا يمكنه عمل أي شيء للخروج من هذا النفق المظلم الذي دخلناه!! ولكن قراءة ممارساتهم ومعرفة تاريخهم تكشف عن زيف هذه الادعاءات وبطلانها، وأن حضارتهم التي يدعونها هي مجرد أوهام، بل أنها ليست بحضارة على الإطلاق، لأنها تقوم على الباطل ومساوئ الأخلاق. حقيقة تحققت ثورة علمية تقنية رهيبة لديهم، ولكن القارئ لتاريخهم، والمقارن في أسباب صعود الأمم وهبوطها، يدرك على الفور أن هذه الحضارة في طريقها للزوال سريعا.
في ظل الجهل بهذا التاريخ، يصبح حق الفريسة في الدفاع عن نفسها حين تساق إلى الموت إرهابا، لأنها لم تستسلم طواعية لجلاديها!! وفي ظل الجهل بهذا التاريخ، يصبح من هم ليسوا على نفس نهجك في التفكير يصبحون ضدك وأعداء لك. ومن هنا تصبح منظمة حماس الفلسطينية هي أكثر منظمة في العالم دموية وإرهابا، لأنها ترد على ممارسات إسرائيل داخل أراضي فلسطين المحتلة. ويصبح الإسلام أخطر الديانات في الكرة الأرضية لأنه يدعو معتنقيه إلى الرد بالمثل على من اعتدى عليهم.
· كشف زيف مظاهر الحياة الدنيا:
وهذا الأمر مستفاد من القرآن الكريم. فقد أخبرنا تعالى عن قصة قارون، أحد الأغنياء في قوم نبي الله موسى عليه السلام. فقد أغرته ثروته الباهظة بعصيان الله تعالى وعدم الاستجابة لنبيه عليه السلام. فلما ظهر لقومه ورأوا ما هو عليه من ثراء وتقدم، تمنى ضعاف النفوس، الذين لا يدركون حقائق الأمور، أن يكون لهم مثل ما لدى قارون، وأن يحرزوا نفس درجة التقدم المادي الذي أحرزه. قال تعالى: ] فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [ [ القصص: 79 ] . وأما العلماء فقالوا لهم لا تغتروا بهذه الزينة، لأنها ليست في مرضاة الله. فمآلها قطعا إلى الزوال. قال تعالى: { وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلاَ يُلَقَّاهَا إَِّلا الصَّابِرُونَ } [ القصص: 80 ] . فما كان من الله إلا أن خسف به الأرض بعد طول إمهاله له، واستمراره في طغيانه وتجبره. قال تعالى: ] فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ اْلأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنْ المُنْتَصِرِينَ [ [ القصص: 81 ] . فعلم الذين كانوا يتمنون أن يصبحوا مثله حقيقة الأمر، وحمدوا الله كثيرا على نعمه أن منعهم أن يكونوا مثله. قال تعالى: ] وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِاْلأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلاَ أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ َلا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [ [ القصص: 82 ] .
وسوف أتناول فيما يلي فضائح الأمريكان من منظورين، الأول يشمل الإرهاب الأمريكي في التعامل مع البشرية، والثاني: يتناول الإرهاب النووي الأمريكي.
الملف الأول: إرهاب أمريكا مع بني البشر:
تبدأ القصة مبكرا، وتحديدا في عام 1513، فقد بدأ المهاجرون الأوربيون البيض في مطاردة الشعب الهندي الأصلي الذي كان يقطن أراضي الولايات المتحدة قبل أن يكتشفها الأوربيون. وأسفرت تلك المطاردات عن تقليص عدد السكان الأصليين من 112 مليون هندي " متوحش " و"همجي " إلى ربع مليون فقط حسبما ورد في إحصاء عام 1900!!!![2]
في هذا السياق، فحينما كشف الصحفي الأمريكي البارز سيمور هيرش في محاضرة ألقاها أمام اتحاد الحريات المدنية الأمريكي عن وجود أشرطة فيديو تصور الجنود الأمريكيين يغتصبون أطفالا ذكورا عراقيين كانوا يصرخون فزعا وألما، بينما تتعالى ضحكات مغتصبيهم وزملائهم الذين كانوا يستمتعون بمشاهدة تلك الفظائع،[3] يصبح من الممكن تصور ذلك، وأنه يتم وفق منظومة تاريخية لبلد لا يرى سوى الإرهاب والاستهتار في التعامل مع من يعتبرهم أعداء له!!
وهذا هو المعنى الذي يفصح عنه توماس باورز، في كتاب حروب الاستخبارات، حيث يقول: " التاريخ السري الأمريكي يقدم دليلا شاملا على أننا نفتقر إلى الصبر، كما أننا نميل إلى الاعتقاد بأن لكل مشكلة حلا تكنولوجيا، وأن أي شيء يمكن إنجازه بأداة ملائمة الضخامة، وأن احترامنا لأفكار البشر هو مجرد أمر وقتي ".[4]
ونعود للتاريخ، حيث كانت مستعمرة جيمس تاون، وهي أول مستعمرة إنجليزية دائمة في شمال أمريكا، قد رسمت الملامح الأساسية لهذه السياسة في عام 1610، أي بعد أقل من ثلاث سنوات من تأسيسها عند مصب النهر الذي سُمي باسم جلالة الملك جيمس. فتحت عنوان " حق الحرب " أعلنت هذه السياسة - كما نشر بيانها بعد ذلك في لندن عام 1622 - عن حق الإنجليزي باعتباره من " الشعب المختار " المتفوق بالوراثة في أن يجتاح البلاد ويدمر أهلها ... حيثما تحلو لنا مواطنهم الخصبة ... وأراضيهم التي سنستوطنها بعد تطهيرها من سكانها. إنها مجرد " أضرار هامشية " ترافق انتشار الحضارة وطريقة حياتها. فتحقيق هذه السياسة التوسعية يحتاج بالتأكيد إلي موجات متلاحقة من الترحيل القسري والمذابح الجماعية وما صار يعرف لاحقا بعقيدة " القدر المتجلي " التي تقول بحتمية وقدرية التوسع الأمريكي والزحف مع دوران الشمس حيثما تدور من الشرق إلي الغرب، وهي العقيدة التي استعارها هتلر بعد حوالي نصف قرن بكثير من التواضع والحذر وسماها " سياسة المجال الحيوي ".[5]
ألا ترى أن هذه هي نفس العقيدة التي يتعامل بها اليهود مع الفلسطينيين في الأراضي المحتلة؟! إنها العقيدة التي تعطيهم الحق في ذبح الضحية، ثم التعجب منها إذا أظهرت ملامح للمقاومة، أو أبدت اعتراضا على طريقة الذبح!!!
وبدءا من وتزل صار قطع رأس الهندي وسلخ فروة رأسه من الرياضات المحببة في أمريكا، بل إن كثيرا منهم يتباهى بأن ملابسه وأحذيته مصنوعة من جلود الهنود. وكانت تنظم رحلات خاصة يدعى إليها علية القوم لمشاهدة هذا العمل المثير ( سلخ فروة رأس الهندي ). حتى أن الكولونيل جورج روجرز كلارك في حفلة أقامها لسلخ فروة رأس 16 هندي طلب من الجزارين أن يتمهلوا في الأداء وأن يعطوا كل تفصيل تشريحي حقه لتستمع الحامية بالمشاهدة. وما يزال كلارك إلى الآن رمزا وطنيا أمريكيا وبطلا تاريخيا، وما يزال من ملهمي القوات الخاصة في الجيش الأمريكي.[6]
ومع تأسيس الجيش الأمريكي أصبح السلخ والتمثيل بالجثث تقليدا مؤسساتيا رسميا. فعند استعراض الجنود أمام وليم هاريسون " الرئيس الأمريكي لاحقا "، بعد انتصار عام 1811 علي الهنود، تم التمثيل ببعض الضحايا. ثم جاء دور الزعيم تيكومسه. وهنا تهافت صيادو التذكارات علي انتهاب ما يستطيعون من جلد هذا الزعيم التاريخي أو فروة رأسه. ويروي جون سغدن في كتابه عن تيكومسه كيف شرط الجنود المنتشون جلد الزعيم من ظهره إلي فخذه، وكيف أن أحدهم قص قطعة من الجلد شرائط رفيعة لربط موسي الحلاقة، وكيف اقتتل الآخرون علي اقتسام فروة رأسه حتى إن بعضهم لم يحصل علي قطعة أكبر من السنت - قطعة نقد معدنية لا يتجاوز قطرها السنتيمتر - مزينة بخصلة من شعر تيكومسه. وعندما أجريت مقابلة مع أحد هؤلاء المحظوظين في عام 1886 - أي بعد 75 سنة - تحدث عن تلك المناسبة التاريخية بافتخار وهو يحمل بين إصبعيه تذكاره البطولي.
وكان الرئيس أندرو جاكسون الذي تزين صورته ورقة العشرين دولارا من عشاق التمثيل بالجثث، وكان يأمر بحساب عدد قتلاه بإحصاء أنوفهم المجدوعة أو آذانهم المقطوعة، وقد رعي بنفسه حفل تمثيل بجثث 800 هندي يتقدمهم زعيمهم. ففي 27 آذار / مارس 1814، كما يروي دافيد ستانارد، احتفل الرئيس جاكسون بانتصاره علي هنود الكريك وتولي جنوده التمثيل بجثث الضحايا من الأطفال والنساء والرجال، فقطعوا أنوفهم لإحصاء عددهم وسلخوا جلودهم لدبغها واستخدامها في صناعة أعنة مجدولة للخيول.[7]
ويعتقد كلاوس كنور أن الإنجليز أكثر القوي الاستعمارية الأوروبية ممارسة وتعمدا للإبادة، وأن هدفهم النهائي في العالم الجديد كما في استراليا ونيوزيلندة وكثير من المناطق التي يجتاحونها، هو إفراغ الأرض من أهلها وتملكها ووضع اليد علي ثرواتها. خلال هذه المسيرة التي بدأت بايرلندا ولم تنته بعد، تحكمت عقدة الاختيار والتفوق بسلوكهم وبنادقهم، واستحوذت علي أخلاقهم وعقولهم، ثم استعمرتهم بنظام متكامل ... انتهي بهم إلي تأليه الذات. وهذا ما أوهمهم بأنهم يملكون حق تقرير الحياة والموت لكل من عداهم، وأنهم أيضا في حل من أي التزام إنساني أو قانوني تجاه الشعوب التي يستعمرونها، لا باعتبار أنها أعراق منحطة وحسب، بل لأنها في الغالب مخلوقات متوحشة لا تنتمي للنوع الإنساني أيضا.[8]
لذلك فقد كتب الدكتور أولمان مذكرة بعنوان: " الصدمة والرعب " ( shock and awe ) وُضعت أمام بوش الصغير ونشرتها الصحافة الأمريكية ( وبينها نيويورك تايمز، وواشنطن بوست، ولوس أنجلوس تايمز )، وفيها يقول بالنص: على الولايات المتحدة أن تستعمل أقوى شحنة من القوة المكثفة، والمركزة، والكاسحة، بحيث تنهار أعصاب أي عدو يقف أمامها، وتخور عزيمته قبل أن تنقض عليه الصواعق من أول ثانية في الحرب إلى آخر ثانية، ويتم تقطيع أوصاله، وتكسير عظمه، وتمزيق لحمه، دون فرصة يستوعب فيها ما يجري له.[9]
إن حضارة بهذا السجل الإجرامي تتوقع منها القيام بأي فعل لا يستند إلى الأخلاق في سبيل إعلاء باطلها والتعالي على كل الأمم التي تعيش بجوارها. وهكذا فيجب عليك عدم التعجب مهما سمعت من ممارسات شاذة مع ضحايا الحروب التي تقوم بها الولايات المتحدة. ومن هذا القبيل: كشف أحد السجناء العراقيين الذين أُطلق سراحهم أن القوات الأمريكية التي احتجزته لشهور طويلة في سجن أبو غريب ( 40 كم غرب بغداد ) عذبته في ما يسمى " غرفة الديسكو "، وقال: " يدخل السجين إلى هذه الغرفة ويطلب منه الرقص 8 ساعات متواصلة على إيقاعات الأغاني الصاخبة، وإذا توقف فإنهم يضربونه. وأكد السجين العراقي أن كل عمليات الاستجواب كانت تتم معه بعد إتمام رقصته، مشيرا إلى أن " الموضوع لا يحمل أي فكاهة، فهذه الغرفة شكلت أحد أهم أساليب التعامل مع سجناء المقاومة "!!![10]
وفي أسلوب ينم عن همجية لم يعرفها التاريخ من قبل قامت القوات الأمريكية باستخدام النساء والأطفال كدروع بشرية لحمايتهم ... فيما كان يُسمع صراخ الأطفال واستغاثة النساء من فوق رتل الدبابات، وذلك أثناء " حرب الشوارع " بالفلوجة.[11]
ما هي الحضارة التي يتكلمون عنها إذن؟!! وليت الأمر يقف عند هذا الحد، بل إن الأمر يتجاوز ذلك إلى الداخل أيضا. فيتناول الصحفي المخضرم من وكالة رويترز ( آلان إيلسنر ) موضوع سجون أمريكا غير المعروفة في كتاب جديد اسمه " بوابات الظلم ". ويرسم الكتاب صورة مروعة عن الوضع الذي لا يعرف عنه معظم الأمريكيين إلا القليل القليل. الإحصائيات التي يقدمها ( إيلسنر ) مدهشة، فهو يقول: إن هناك 2.2 مليون شخص موجودون حاليا داخل السجون الأمريكية، مما يجعل الولايات المتحدة تحوي أكبر عدد سجناء بالنسبة لعدد السكان في العالم الصناعي. فعلى سبيل المثال، هناك 702 من السجناء بين كل مائة ألف من سكان أمريكا، ويليها في ذلك روسيا حيث يوجد 628 سجينا من بين كل مائة ألف مواطن روسي. الأرقام بالنسبة لبريطانيا وفرنسا هي 138 و90 بالتوالي.[12]
هذا يكشف لك عن زيف ادعاءات الديمقراطية والعدالة وغيرها من المصطلحات الرنانة التي تستخدمها واشنطن كثيرا في التعامل مع خصومها، والذين ما إن يسمعونها حتى يهرولوا في محاولات إصلاح سرعان ما تفشل لأنها لا تنبع من احتياجاتهم، وبدون أن يشيروا من قريب أو بعيد إلى ما تفعله واشنطن نفسها من نقض لهذه المصطلحات التي ترددها!! وتكشف لنا تجربة العراق الأخيرة، أن واشنطن تستهدف من إزاحة صدام حسين ونظامه عن سدة الحكم برغم استجابته لكل متطلبات التركيع والترويض، لكي يكون هذا النظام أمثولة تحمل في طياتها رسالة لمن تريد واشنطن أن تبعث لهم برسائل محددة داخل المنطقة وخارجها![13]
إن تعامل الولايات المتحدة مع من تعتبره أحد أعدائها لابد أن يمر أولا بحملة دعائية ضخمة يُصور فيها العدو المفترض على أنه أحد الوحوش الكاسرة أو الهمجية الذي لابد من القضاء عليه حتى لا يعرقل سير الحضارة على الكرة الأرضية. ثم يأتي الدين لخدمة هذه المعركة، فيصور هذا الوحش الكاسر الهمجي على أنه أحد الشياطين الماردة أيضا، الأمر الذي يحتم على الرب من الدخول في المعركة بجانب الأمريكان ضد هذا الوحش. وهكذا تصبح المعركة على هذا العدو مبررة أخلاقيا وعقديا.
إن الثقافة وأسلوب الحياة الأمريكية ليس إلا القتل والدموية، وهذا ما أكد عليه المؤرخ تشارلز بيرد بقوله: " منذ أن انتهت الحرب العالمية الثانية وتحقق انتصارنا على اليابان ونحن في دوامة العدو الشهري، وتعني أننا في كل شهر نواجه عدوا مرعبا يجب علينا أن نضربه قبل أن يقضي علينا ".[14]
الملف الثاني: الإرهاب النووي الأمريكي:
الملف الثاني الأكثر خطورة في هذا الشأن، هو استخدام الولايات المتحدة لكل ترسانتها النووية في حروبها، دون أن يردعها رادع في هذا المجال. ففي حرب الخليج الثانية، استخدم الحلفاء 300 طن متري من اليورانيوم المنضب في أسلحتهم، الأمر الذي أدى إلى كوارث في أوساط العراقيين، وإصابة أطفالهم بأمراض سرطانية غير مألوفة. وتشير التقديرات إلى أن الولايات المتحدة استخدمت كمية أكبر بخمس مرات من اليوارنيوم المنضب، أي 1500 طن متري، في حربها على العراق. هذا يعني أن الجيلين العراقيين المقبلين سيهلكان تقريبا، وسيكونان فريسة المرض والضعف. فما هي فائدة الديمقراطية إذا كانت تأتي إلى شعب خسر مئات الآلاف من أبنائه تحت ( القصف السجادي ) لحرب ( التحرير ) الأمريكية، وسيهلك أجياله المقبلة بفعل الأمراض السرطانية؟![15]
ولكن القصة ليست وليدة اليوم، بل تعود إلى سنوات بعيدة من التاريخ. فقد كان وليم برادفورد حاكم مستعمرة بليموث يري أن نشر الأوبئة بين الهنود عمل يدخل السرور والبهجة علي قلب الله، " فمما يرضي الله ويفرحه أن تزور هؤلاء الهنود وأنت تحمل إليهم الأمراض والموت ". هكذا يموت 950 من كل ألف منهم، وينتن بعضهم فوق الأرض دون أن يجد من يدفنه. إن علي المؤمنين أن يشكروا الله علي فضله هذا ونعمته.
كانت هذه " المعجزات " الإلهية صورة عن رغبات المستوطنين وطموحاتهم. فلطالما توحدت القدرة الإلهية مع الشعب المختار كما يري كوتون ماذر، أحد أبرز أنبياء الاستعمار، " فبعد أن ظن هؤلاء الشياطين " أن بعدهم عن العالم سينقذهم من الانتقام، استطاع الله أن يحدد مكانهم ويكتشفه، وأرسل قديسيه الأبطال من إنجلترا، وأرسل معهم بعض الأوبئة السماوية القاتلة التي طهرت الأرض منهم. إن الله يفسح مكانا لشعبه في هذه المجاهل إذ هو يقتل الهنود بأوبئة من أنواع مدمرة لا يعرف لها البشر مثيلا إلا ما تحدثت عنه التوراة.[16]
ويستمر السجل الإجرامي غير المسبوق. ففي عام 1952 وجهت الصين الشعبية وكوريا الشمالية الاتهامات إلى الولايات المتحدة بأنها استخدمت الذخائر البيولوجية في أثناء الحرب الكورية. وشُكلت لجنة علمية لتقصي الحقائق، حيث كانت الغارات الجوية الأمريكية على كوريا تسقط قنابل تحوي رائحة كريهة تشبه رائحة الجلد المحروق أو القرون المحترقة. كما ألقت أنواع غير معروفة من الحشرات. كما ألقت براغيث ملوثة وفئران الحقول المصابة بالطاعون والريش الحامل لجراثيم الجمرة الخبيثة ( الانثراكس ) والمحار الملوث بالبكتريا المسببة لأمراض الكوليرا تجاه خزانات المياه.[17]
وفي الحرب العراقية، بث موقع " مفكرة الإسلام " على الانترنت ونقلا عن شاهد عيان أن الطائرات الأمريكية ألقت قنبلة تحتوي على اليورانيوم المخصب على أرض مطار بغداد أثناء اقتحام العاصمة العراقية. وقد صاحب ذلك هطول رذاذ وحمم من نار مصحوبة بارتفاع في درجات الحرارة، وأضاءت سماء المطار بوميض لا مثيل له، وقد رافقه رائحة تشبه رائحة التفاح، وهو أقوى أنواع المواد المشعة والمحرمة دوليا ... فكنا نرى أجساد المتطوعين العرب وفدائيي صدام بالعين المجردة وهي تنصهر وتذوب حتى العظام.[18]
يقول " كيم يونغ إيل ": " إن أمريكا هي الدولة الوحيدة التي استخدمت القنبلة الذرية أثناء الحرب، وهي تتحمل اليوم المسئولية كاملة عن انتشار الأسلحة النووية. أما بقية الدول الأخرى الساعية للحصول على السلاح النووي، فهي تحاول فقط حماية نفسها ". [19] وهكذا يشهد شاهد من أهلها على حقيقة الوضع الراهن!!
***
إن كل هذا ليس إلا مثالا لما يكون عليه الحال إذا تغطرست القوة ولم تجد ما يهذبها أو يردعها من الدين. وكل ما حدث من قبل، وما يحدث الآن ليس إلا بسبب تخلف المسلمون عن دورهم المنوط بهم أدائه في قيادة البشرية على الكرة الأرضية. فهل يعود المسلمون إلى ربهم، ويتمسكون بتعاليم دينهم؟ وهل يعرف المسلمون زيف الحضارة القائمة من حولهم، والتي لا تعرف إلا الغدر والخيانة؟!! آمل أن يكون ذلك سريعا.
9 من ربيع الأول عام 1426 من الهجرة ( الموافق في تقويم النصارى 18 من أبريل عام 2005 ).
----------------------------------
[1] مجلة البيان، العدد 205، رمضان 1425، نقلا عن: نيوزويك، العدد (221).
[2] مقتبس بتصرف من: أمريكا والكنعانيون الحمر ... سيرة الإبادة (1/3)، منير العكش، موقع النهى الالكتروني.
[3] مجلة البيان، العدد 203، رجب 1425، نقلا عن: الخليج، 25/7/2004.
[4] مجلة البيان، العدد 190، جمادى الآخرة 1424.
[5] أمريكا والكنعانيون الحمر ... سيرة الإبادة (1/3).
[6] خالد يوسف، الإمبراطورية الأمريكية: التاريخ الأسود والعقيدة الفاسدة. سلسلة استراتيجيات، العدد الثالث والرابع، يناير – ابريل 2005.
[7] حق التضحية بالآخر: أمريكا والإبادات الجماعية، منير العكش، دار رياض الريس، بيروت، 2002.
[8] أمريكا والكنعانيون الحمر ... سيرة الإبادة (2/3).
[9] مجلة البيان، العدد 187، ربيع الأول 1424، نقلا عن مجلة "وجهات نظر " العدد: (51).
[10] مجلة البيان، العدد 199، ربيع الأول 1425.
[11] مجلة المختار الإسلامي، العدد (267)، ذو القعدة 1425هـ.
[12] مجلة البيان، العدد 204، شعبان 1425، نقلا عن: الوطن السعودية، العدد (1407).
[13] مجلة البيان، العدد 187، ربيع الأول 1424.
[14] مجلة البيان، العدد 200، ربيع الثاني 1425.
[15] مجلة البيان، العدد 186، صفر 1424، نقلا عن: القدس العربي، العدد (4295).
[16] أمريكا والكنعانيون الحمر ... سيرة الإبادة (1/3).
[17] طلعت رميح، ثلاث قضايا استراتيجية في العدوان الأمريكي على العراق ونتائجه. سلسلة استراتيجيات، العدد الثاني، أكتوبر 2004.
[18] مجلة المختار الإسلامي، العدد (263)، رجب 1425هـ.
[19] مجلة البيان، العدد 185، المحرم 1424، نقلا عن: مجلة " المجلة "، العدد (1198).