أولى أمهات المؤمنين
من النساء الصالحات القانتات زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم الأولى ، وأول من آمن به وصدقه ، واتبعه ، إنها خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشية الأسدية ، وأمها فاطمة بنت زائدة ، قرشية من بني عامر بن لؤي ، ولدت بمكة ، ونشأت في بيت شرف ويسار ، كانت تدعى قبل الإسلام بالطاهرة العفيفة ، مات أبوها يوم الفِجار .
تزوجت مرتين قبل رسول الله ، أبا هالة بن زرارة بن النباش التميمي ، ثم عتيق بن عائذ بن عمر بن مخزوم ، ولها منهما ثلاثة من الولد ، هند بنت عتيق ، وهند وهالة ابنا أبي هالة . كانت ذات مال كثير وتجارة ، تستأجر الرجال وتدفع إليهم ما آتاها الله من مال ليتاجروا لها فيه .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم واحداً من الذين تعاملوا معها، فسافر إلى الشام ومعه غلامها ميسرة , وسمعت عن أمانته وخلقه وبركته الكثير ، وتضاعف ربح تجارتها ، مما دفعها لطلب الزواج منه ، فخطبها حمزة بن عبدالمطلب لابن أخيه من عمها عمرو بن أسد بن عبدالعزى ، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بعثته بخمس عشرة سنة ، وكان عمره حينئذٍ 25 سنة ، وكان عمرها 40سنة ، وقيل 28سنة ، فولدت له : القاسم و عبد الله و زينب و رقية و أم كلثوم و فاطمة ، وكان بين كل ولدين سنة ، وكانت قابلتها سلمى ، والقابلة هي التي تقوم بتوليد المرأة وخدمتها عند الولادة .
وهي - رضي الله عنها- ممن كمُل من النساء . فكانت عاقلة جليلة ديَّنة مصونة كريمة ، من أهل الجنة ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يُثني عليها ، ويُفضلها على سائر أمهات المؤمنين ويُبالغ في تعظيمها ، حتى إن عائشة رضي الله عنها كانت تقول : ما غِرت من امرأة ما غِرت من خديجة ، من كثرة ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لها .
ومن كرامتها عليه صلى الله عليه وسلم أنه لم يتزوج امرأة قبلها ، ورزقه الله منها عدة أولاد ، ولم يتزوج عليها قط ولا تسرَّى بجارية إلى أن قضت نحبها ، فحزن لفقدها حزناً شديداً ، فإنها كانت نعم القَرين والأنيس ، وكانت له نعم المعين والنصير. أما مواقفها فعظيمة مشهودة تدل على رجاحة عقلها ، وقوة شخصيتها ، فها هي تقف إلى جانب زوجها عندما جاء إلى البيت خائفاً - وقد بدأ الوحي ينزل عليه - وهو يقول : ( لقد خَشِيتُ على نفسي، فقالت له : كلا ، والله لا يخزيك الله أبداً ) متفق عليه ، وذكرت خصاله الحميدة ، ثم ذهبت به إلى ورقة بن نوفل .
وكانت رضي الله عنها أول من آمن برسول الله وصدقه وآزره في دعوته ، فكان لها فضل السبق في ذلك على الرجال والنساء ، مما خفف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وفي "الصحيحين" ، عن عائشة ، ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب ) . وبيَّن النبيُّ صلى الله عليه وسلم فضلها بأنها خير نساء الأرض في عصرها ، حيث قال : ( خير نسائها مريم بنت عمران وخير نسائها خديجة بنت خويلد ) متفق عليه .
قال النووي رحمه الله : كل واحدة منهما خير نساء الأرض في عصرها ، وأما التفضيل بينهما فمسكوت عنه . وفي مسند الإمام أحمد ( أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون ، ومريم ابنة عمران رضي الله عنهن أجمعين ) وصححه الألباني والأرنؤوط .
توفيت خديجة رضي الله عنها قبل الهجرة بثلاث سنين ، وقبل معراج النبي صلى الله عليه وسلم ، وهي بنت خمس وستين سنة ، ودفنت بالحجُون .
ويستفاد من سيرة خديجة رضي الله عنها أموراً نجملها في النقاط التالية :
1-رغبة خديجة في الزواج من رسول الله صلى الله عليه وسلم دليل على ما كان يتمتع به صلى الله عليه وسلم من خلق عظيم ، وصلاح كبير ، وأمانة فائقة .
2-أنه لا غضاضة في أن تبدي المرأة رغبتها في الزواج من صاحب الدين والخلق .
3- لم يكن هدف رسول الله من الزواج المتعة الجسدية ومكملاتها ، وإلا لحرص على البكر ، ومن كانت أصغر منه ، أو على الأقل من كانت في سنّه .
4-أن الله عز وجل يرزق الرجل الصالح الطيب المرأة الصالحة الطيبة ، كما قال سبحانه : { وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّأُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } (النور:26).
5-إنّ الإسلام يجيز للمرأة التملك ، واستثمار الأموال والمضاربة بها وفق الضوابط الشرعية .