النفايات الطبية في لبنان:
خطر.. بلا معالجة
احدث تقرير عن النفايات الطبية في لبنان صدر عن منظمة "غرين بيس" البيئية العالمية عبر مكتبها في بيروت بعنوان "الطبابة الخطرة في لبنان". وفيه حقائق عن خطر مخلفات معامل الادوية والمستشفيات والمختبرات وعيادات الاطباء والمستوصفات والمراكز الطبية وعيادات الاطباء البيطريين وعيادات اطباء الاسنان على البيئة وصحة الانسان ولا سيما خطر مادة الديوكسين التي تسبب السرطان لدى الانسان وتؤدي للاصابة بعاهات خلقية وتراجع في الخصوبة وضعف جهاز المناعة وخلل هرموني عام في الجسد.. ومادة الزئبق التي تسبب خللا في نمو دماغ الجنين وتسمما مباشرا للجهاز العصبي والكلى والكبد.
كما يتضمن التقرير حقائق وأرقاما عن كميات النفايات الطبية وطبيعتها وعن المستشفيات في لبنان استنادا لاحصائية وطنية اجريت عام 1997، لكن هذه الارقام هي تقديرية بمعظمها ذلك ان 18% من المستشفيات المحصاة قالت انها لا تعرف كمية النفايات التي تصدرها، في حين ان 75% ادعت انها لا تعرف شيئا عن نفاياتها.
ويركز التقرير الصادر عن "غرين بيس" على معارضة مبدأ حرق النفايات الطبية نظرا لما تحتويه من اشلاء بشرية ومواد كيميائية وأخرى نووية مشعة وبقايا تشريحية وأدوات جراحية كالحقن وغير ذلك. وتطرح "غرين بيس" حلا بديلا للحرق هو التعقيم البخاري Autoclave عبر استخدام البخار وحفظه، ما يؤدي الى قتل الجراثيم بالكامل.
وإصدار هذا التقرير يأتي في توقيت حاسم، ذلك ان مجلس الانماء والاعمار تقدم من مجلس الوزراء بدراسة متعلقة بإدارة نفايات المستشفيات بعد ان وضعت وزارة الصحة ووزارة البيئة ملاحظاتها عليها. وهذه الدراسة يتكتم مجلس الانماء والاعمار على نشرها وهو استغرق سنوات لإعدادها.
ولا يخلو التقرير من توجيه اللوم الى سياسة البنك الدولي في دول العالم الثالث ومنه لبنان بطبيعة الحال لان البنك يشجع انتشار المحارق في وقت يتولى برنامج الأمم المتحدة البيئي رعاية المفاوضات المتعلقة باتفاقية دولية لوقف تدريجي لانتاج واستخدام الملوثات العضوية ذات الاثر الدائم Persistent Organic Pollutants – Pops ومن بين تلك المواد ذات الاولوية التي تذكرها هذه الاتفاقية الجديدة يبرز الديوكسين الذي ينتج عند حرق النفايات الطبية.
التقرير يلقي الضوء على مشكلة بيئية ـ صحية تساهم منظمة "غرين بيس" بمعالجتها، ونظرا لاهمية الموضوع تنشر "العهد" مقتطفات من هذا التقرير (الدراسة) مع الاشارة الى انه لم تصدر بعد دراسة مماثلة تتناول هذا الموضوع باستثناء دراسة صدرت باللغة الانكليزية للدكتورة ريتا كرم معوض سنة 1997 عنوانها National Survery for the elimination of the solides hospital waste in lebanon.
طبيعة المشكلة
ان معظم النفايات الصادرة عن أي مستشفى او مركز طبي ليست نفايات معدية ولا تشكل خطرا بالضرورة على الصحة العامة او البيئة. فالورق والبلاستيك وبقايا الطعام وغيرها من النفايات العادية الصادرة عن أي مستشفى مشابهة لتلك الصادرة عن الفنادق او المكاتب او المطاعم، في لبنان مثلا تتراوح نسبة النفايات الخطرة او "المعدية" بين 15 و20 في المئة من مجمل نفايات المستشفيات. هذه النسبة تختلف بين الدول الصناعية والنامية الا انه معروف ان الاغلبية العظمى من النفايات الناتجة من المستشفيات ليبست "معدية" وهي لا تتعدى العشرين في المئة عادة. بالتالي، وعلى الرغم من المزايا الخاصة التي تتمتع بها مرافق العناية الصحية حول العالم، من الممكن ادارة معظم النفايات الطبية باستخدام تقنيات التقليص والفرز وإعادة التدوير نفسها المعتمدة في المنازل والمكاتب.
نستطيع ان نصنف نفايات المستشفيات الى اربعة انواع:
ـ نفايات باثولوجية او معدية.
ـ نفايات خطرة.
ـ نفايات مشعة.
ـ نفايات عامة اخرى.
ان نفايات المستشفيات الملوثة بيولوجيا كالاعضاء المبتورة والبقايا التشريحية والادوات الجراحية الملوثة بحاجة لعناية خاصة لتفادي انتقال أي عدوى. هناك قلق متزايد من امكانية انتقال الامراض المعدية كالسيدا (نقص المناعة المكتسب) وفيروس Hepatitis - B
المستشفيات في لبنان
ان ارقام هذا القسم مبنية على احصائية وطنية اجريت عام 1997 عن الوضع الحالي للمستشفيات في لبنان. الا انه يجب الانتباه الى ان معظم النتائج هي تقديرية، ذلك ان 18% فقط من المستشفيات المحصاة ادعت انها تعرف كمية النفايات التي تصدرها، في حين ان 75% اعترفت بأنها لا تعرف شيئا.
في المعدل، ينتج كل سرير حوالى 5.4 كيلوغرامات من النفايات في اليوم، حوالى 1,05 كيلوغرام منها هي خليط من نفايات ملوثة وآلات حادة (أي 19.5% من اجمالي النفايات). وبالتالي يمكن الاستنتاج ان اجمالي نفايات المستشفيات المنتجة في لبنان هي 45846 كيلوغراما في اليوم، حوالى 9 آلاف منها تعتبر خطرة.
تدعي 73% من المستشفيات انها تفرز نفاياتها المعدية، ولكن الدراسة تظهر ان قواعد عمليات الفرز هذه هي في اكثر الاحيان غير واضحة وتؤدي الى خلل في عملية الفرز في نصف هذه الحالات. 19% من المستشفيات لا تفرز نفاياتها الملوثة، و8% من المستشفيات لم تعط أي جواب لأنها لا تعتبر المسألة مهمة بعد. تهتم 67% من هذه المستشفيات فقط بفصل الآلات الحادة عن بقية النفايات، و36% منها تفرز الادوية المنتهية الصلاحية من نفاياتها فقط.
في المحصلة فإن امكانيات التخلص من النفايات المتوافرة امام المستشفيات حاليا هي كالآتي: الحرق في الهواء الطلق، النفايات البلدية (والتي غالبا تطمر في مكبات عشوائية)، التخلص منها في الطبيعة، الحرق في محرقة المستشفى، او عبر الاتفاق مع شركة متخصصة في جمع النفايات، وفي هذه الحالة المصير النهائي لهذه النفايات يبقى غير معروف.
كل هذه الحلول غير مقبولة كليا. فالطمر بدون اللجوء لمعالجة اولية خطر جدا لأن احتمال تلوث التربة وتسرب السائل السام الصادر عن الطمر الى خزانات المياه الجوفية كبير. ليس في لبنان أي مؤسسات متخصصة معروف ان لديها تسهيلات او وسائل ملائمة للتخلص من نفايات المستشفيات.
تحرق حاليا حوالى 14% من النفايات الخطرة في محارق المستشفيات. 14 من المستشفيات المحصاة (19%) لديها محارق قديمة جدا، من هذه المستشفيات، مستشفى واحد يعرف كميات النفايات المعالجة بواسطة محرقته. ومن هذه المحارق الاربع عشرة يعود تاريخ صنع اثنتي عشرة منها الى ما قبل 15 سنة على الاقل. اثنان من المستشفيات فقط يعرفان ماركة المحرقة التي لديهما، وتدعي ستة انها تعرف حرارة الاحتراق (مع العلم بأن اجابة اثنين منها كانت عالية جدا لدرجة غير واقعية). تدعي خمسة مستشفيات انها تقوم بغسل الدخان الصادر عن محارقها، ويدعي مستشفيان آخران انهما ينظفان غبار محارقهما.
من الامثلة، مستشفى الجامعة الاميركية، وهو احد المستشفيات الكبرى الرائدة في بيروت، والذي يدير الآن محرقة قديمة جدا ملوثة، ويخطط لتركيب محرقة جديدة. يدعي المستشفى انه يلتزم المعايير البيئية، ولكنه حتى الآن لم يضع خطة واضحة لفرز نفاياته بطريقة سليمة، وما زال بعيدا جدا عن اعتماد سياسة لاستبدال المواد الخطرة بصورة مرحلية كبلاستيك PVC والزئبق.
ان غياب المعرفة الفاضح بخطر المحارق من قبل المعنيين معيب جدا. ولا بد من الاشارة الى ان أي محرقة "جديدة" لن تحل المشكلة لأنه حتى المحارق "المتطورة" جدا ستنبعث منها المواد السامة. وكلما كانت مداخن المحرقة نظيفة، وبالتالي الانبعاثات الصادرة عنها مراقبة، كان الرماد الصادر عن المحرقة ساما. هذا الرماد السام سينتهي في المطامر.
المخيف ان مصير احد عشر في المئة من نفايات المستشفيات الخطرة غير معروف. وبالتالي فإن اثرها على البيئة والصحة العامة غير محدد ايضا. ومن المقلق ايضا كملخص لهذه الدراسة ان ربع نفايات المستشفيات الخطرة (نفايات معدية، الات حادة وأدوية منتهية الصلاحية) تعالج بأسوأ طريقة ممكنة ألا وهي الحرق في الهواء الطلق.
تمويل البنك الدولي لمحارق النفايات الطبية في لبنان
على الرغم من جميع الاثباتات التي تربط حرق النفايات الطبية بالتلوث السام الحاد، وعلى الرغم من سهولة إيجاد المعلومات حول التقنيات البديلة لإيجاد النفايات الطبية يستمر البنك الدولي بصورة دورية بضم عمليات حرق النفايات الطبية في مشاريعه المتعلقة بالقطاع الصحي.
لا يمكن للبنك الدولي التذرع بالجهل في دفاعه المستديم لتسويق الحرق. فقد نشر مكتب البنك الدولي في جنوبي آسيا في كانون الثاني 1996 تقريرا بعنوان "بيئة الهند: تقييم المشاريع، البرامج والاولويات" اوصى فيه بتجنب حرق النفايات الطبية:
"ينبغي ربط سياسات الاجل الطويل والارشادات والتشريعات بالضرورات الفورية لفرز ومعالجة النفايات الطبية من المصدر. وينبغي ان يشتمل هذا الربط على تكنولوجيات ملائمة لتأمين الحماية المستدامة للبيئة والصحة العامة عوضا عن اعتماد محارق حديثة مستوردة كلفتها باهظة وصيانتها صعبة".
وصفت المحارق بأنها مطامر في السماء. فالرماد الناتج عن محارق النفايات الصلبة البديلة، والتي اعتبرت "نفايات خطرة" من قبل المحكمة العليا في الولايات المتحدة الاميركية، تلوث التربة والمياه الجوفية.
ان المحارق وهي معالجة لمشكلة من النهاية هي في جوهرها اشكالية فاستراتيجية المعالجة من المصدر تستغني عن المشاكل الموروثة التي لا تحصى باعتماد حلول نهاية الانبوب (مصافي المحارق)، وذلك عبر تقليص واعادة استعمال واعادة تدوير المواد المستعملة، وعبر تطبيق تقنيات اللاحرق والقضاء على الانبعاثات السامة والسماح بإعادة التدوير. وفي حالة استعمال المواد المتحللة طبيعيا نحصل على طمر سليم.
من المهم الاشارة الى حالة ايجابية وعملية حيث تم تطبيق تجربة ناجحة وذلك في جزيرة مايوريكا الاسبانية. فقد تم وضع خطة شاملة ترتكز على حملات توعية شعبية وحوافز مالية وتقنية وفرز تطوعي واتفاقيات لاعادة الاستعمال مع الصناعيين وتعزيز قانوني لمسؤولية المنتج، ما سمح باعتماد برنامج لادارة النفايات مبني على مثال يحتذى به لجزيرة خالية من الحرق كليا.
لا يشكل الحرق حلا لمشكلة النفايات لانه انتقال بسيط للملوثات من النفايات نفسها الى انبعاثات الدواخين والرماد. كما ان الحرق يلغي امكانية الاستفادة من قيمة المواد وذلك عبر اعادة تدويرها.
ان التقنيات البديلة التي عرضت في الدراسة، والتي تجدون في الملحق "ب" لائحة بأسماء شركات تسوقها هي بدائل سليمة بيئيا واقتصاديا تفوق المحارق. فالتعقيم البخاري موجود بأعداد كبيرة في العديد من المستشفيات ويسمح بمعالجة العديد من المعدات الملوثة لاعادة استعمالها.
ترحب "غرين بيس" بجهود مجلس الانماء والاعمار ووزارتي البيئة والصحة في سعيهم لايجاد حل شامل لادارة مشكلة نفايات المستشفيات، ولكنها تطالبهم واصحاب المستشفيات بأن يختاروا بدائل المحارق بدل الانجرار الاعمى وراء اخطاء الغرب التي يعيها هو الان.