بالأمس ودعتها وهى التى صاحبتني عمرى ، بالامس ودعتها وهى التى صافحت وجوها ولت ذكراها ، وأرواحا غادرت مأواها ، وجسوما حلت مثواها.
-صاحبتني أيام الصبا والشباب ، نقلت لي رسائل الحب ، وساحت معى في حدائق المعرفة ، وجنات الشعر ، وبيداء الصبر ، وفيافي الخوف .
-صاحبتني وهى التى ما اشتكت ، وما أنّت ، ولكنها عند الفراق حنّت .
-قالت : لما أسلمتني لهم ياصاحبي ؟ ، فوالله ما خنتك يوما ، انطلقت حيث أطلقتني ، بكيت حين استدعيتني ، وجمدت حين أمسكتني ، فلماذا أسلمتنى ؟
-قلت لها يا صاحبتي : قالوا أنك تغيرت .
-قالت أو لم أقرأ لك قول كثير لعزة :
وقالوا تغيرت فقلت.... ومن ذا الذى يا عز لا يتغير
تغير جسمي والخليقة كالتى..... علمت ولم يخبر بسرك مخبر
-فقلت لها :إني وإن كنت أسلمتك ليد الفناء ، فإني على عهد الحب و الوفاء :
-فلا تحسبْ رعاكَ الله أنِّي ... غدرْتُ ولا هممْتُ لكمْ بغدرِ
-فوالله العظيمِ لوَ انَّ قلبي ... أحبَّ سواكَ لم أُسكنْهُ صدري
-وأعظمُ ما أُلاقي منكَ أنِّي ... أدومُ علَى الوفاءِ ولستَ تدري
- فقالت : أراك تقول ما لا تفعل ، وتفعل غير ما تقول ، ولكني أمام غدرك بي أقول:
وما كان ذاك البين بين أحبة ... ولكن قـلوب فارقتـهن أبـدان
فيا عجباً للصبر منا كأننا لهم... غير من كنا وهم غير مكانوا
مضى عيشهم بعدي وعيشي بعدهم.كأني قد خنت الوفاء ، وقد خانوا
- فقلت لها على رسلك ، فوالله ما تركتك الا للضرورة ، ولولا حاجتي ما أسلمتك أو ما سمعت قول القائل :
سامِحْ أخاكَ إذا خلَطْ ... منهُ الإصابَةَ بالغلـَطْ
وتجافَ عنْ تعْنيفِه ... إنْ زاغَ يوماً أو قسَطْ
واعْلَمْ بأنّكَ إن طلبْت.. مهذَّباً رُمتَ الشّـطَطْ
منْ ذا الذي ما ساء قط .. ومنْ لهُ الحُسْنى فقطْ
-قالت يا صاحبي لقد أسلمتني وهجرتني واستبدلتنى ، بعد طول الصحبة ، واخلاص الخدمة ، وصدق الرفقة ، ولكن من الشطط حب كاره لك ، ووصل من هو راغب عنك:
ما أُراني إلا سأهجر من ليس يراني أقوى على الهجران
ملّني واثقاً بحسن وفائي.. ما أضرّ الوفاء بالانسان
- قلت لها ياصاحبتي إنا وان كنا افترقنا ، فالقلب بكم موصول ، والذكرى لا تحول ، لكنها الايام والليالي ، والدهر ذو غير ، لا يبقي على أحد ، لكني أقول :
إن كان قد عُدِمَ اللقاءُ فإنني ... بوِدادِكمْ مُستَهتِرٌ مفتـونُ
كم حاضرٍ في الدار غيرُ مُحافظٍ ... ومُفارقٍ ووِداده مأمونُ
-قالت قد سمعت مقالتك وفهمت نظمك ، وليس الأمر كما تقول ، ولكنك طرف ملول ، ومن أراد الفراق وجد مجالا فى الاختلاق ، فإن كان ولا بد فكن فى الوفاء كما قال الشاعر :
-فإنْ تكُ قد مللتَ فلا تخُنِّي ... وقلْ لي أنْ أُجنِّبكَ الوِصالا
فمنْ يطلبْ لصاحبهِ اختلالاً ... لينقُضَ عهدهُ يُدركْ مقالا
فتزدادونَ عندي كلَّ وقتٍ ... وأنقصُ عندكمْ حالاً فحالا
-قلت لها : أزف الفراق ، وآن أوان الافتراق ، فليس لكم بقاء ، وليس لنا لقاء :
وقد نكون وما يخشى تفرقنا ... فاليوم نحن وما يرجى تلاقينا
لم نعتقد بعدكم إلا الوفاء لكم ... رأياً ولم نتقـلد غيره دينـا
ولا استفدنا خليلاً عنك يشغلنا ... ولا أخذنا بديلاً منك يسلينا
- قالت أراك حلو المقال ، مر الفعال ، كثير الوعود ، قليل الوفاء ، وما أراك الا كما قال الشاعر :
أبو بكر له أدب وفضل ... و لكن لا يدوم على الوفاء
مودته إذا دامت لخل ... فمن وقت الصباح إلى المساء
قلت : لصاحبتي الجديدة من أين يا هنتاه وفدت ؟ قالت : من بلاد الغرب ، جئتك من بعد تعب ونصب ، جئتك من الولايات المتحدة ، وحللت بدياركم ، متمنية أن أحسن فى عيونكم .
قلت ما أول ما رأيتيه ؟قالت : هو ما فتحتنى عليه ، وهو قول الله تعالي : " قل بفضل الله وبرحمته فليفرحوا هو خير مما يجمعون " من سورة يونس.
ولكن قل لي : كيف أنت يا صاحبي الجديد والوحيد ، والاول والاخير ؟ قلت :
فإن تسأليني كيف أنت فإنني ... صبور على ريب الزمان صليب
يعز علي أن ترى بي كآبة ... فيشمت عادٍ أو يسـاء حبيـب
هذا حوار جرى بينى وبين عدسة عينى القديمة التى استبدلتها بالامس